أظهرت المعارك أن «أنصار الله»، رغم ضعف إمكاناتهم، تمكنوا من اختبار قدرات الأسطول الأميركي الأكثر تطوراً في العالم، في مواجهة وُصفت بأنها «الأشرس منذ عقود». و«اعتمدت الجماعة على طائرات مسيّرة وصواريخ باليستية مضادة للسفن، في أول استخدام قتالي لهذه الأسلحة.
في معركة بحرية هي «الأعنف منذ الحرب العالمية الثانية»، خاضت البحرية الأميركية مواجهة مريرة في البحر الأحمر ضد حركة «أنصار الله»، في حملة كشفت حدود القوة الأميركية أمام خصم يستخدم تكنولوجيا منخفضة الكلفة.
«أنصار الله» تربك أقوى أسطول بحري في العالم
في 6 أيار الماضي، انزلقت طائرة أميركية من طراز «F/A-18 سوبر هورنت» عن مدرج حاملة الطائرات «يو إس إس هاري إس. ترومان» وسقطت في البحر الأحمر، بعدما فشل نظام الإيقاف على متن الحاملة في إبطاء الطائرة. كانت تلك ثالث طائرة تفقدها البحرية في خمسة أشهر فقط، جميعها ضمن مجموعة الحاملة نفسها، ما دفع البنتاغون إلى فتح تحقيقات لا تزال نتائجها قيد الانتظار، وفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية.
الحادث جاء بعد ساعات فقط من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التوصل إلى «هدنة» مع «أنصار الله». ورغم الضربات الأميركية التي بلغت كلفتها 1.5 مليار دولار، لم تتمكن واشنطن من تحقيق هدفها الإستراتيجي بإعادة فتح الممرات التجارية في البحر الأحمر، ولا من وقف الصواريخ اليمنية باتجاه إسرائيل.
(من الويب)
(من الويب)
وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» في تقرير لها، أن قيادة البحرية الأميركية بدأت بدراسة تفاصيل هذه المواجهة لفهم كيف تمكّن خصم صغير نسبياً من اختبار قدرة «أقوى أسطول بحري سطحي في العالم». وأشارت إلى أنّ «الحوثيين أثبتوا أنهم خصم صعب، دخل في أعنف معارك للبحرية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، رغم بدائية مواقعهم في أحد أفقر بلدان العالم».
تكنولوجيا بسيطة... تكتيك متطور
أظهرت المعارك أن «أنصار الله»، رغم ضعف إمكاناتهم، تمكنوا من اختبار قدرات الأسطول الأميركي الأكثر تطوراً في العالم، في مواجهة وُصفت بأنها «الأشرس منذ عقود». و«اعتمدت الجماعة على طائرات مسيّرة وصواريخ باليستية مضادة للسفن، في أول استخدام قتالي لهذه الأسلحة منذ الحقبة السوفياتية».
وقدّم أحد الضباط الأميركيين تقييماً لافتاً حين قال: «صواريخهم تزداد تطوراً، وهذا جنون. البحرية الأميركية تتفوق في الاعتراض حتى الآن، لكن إلى متى».
بحسب التقرير، فقد «حسّن الحوثيون تكتيكاتهم تدريجياً». فبعدما كانوا يطلقون الطائرات المسيّرة والصواريخ على ارتفاعات عالية، أصبحوا يرسلونها ليلاً وبمحاذاة سطح البحر، ما صعّب عملية اعتراضها. وكان على الطواقم الأميركية اتخاذ قرارات في غضون 15 ثانية فقط، في بيئة بحرية ضيقة تجعل السفن الكبيرة «أهدافاً سهلة»، وفقاً لتعبير الخبير العسكري براين كلارك، الذي قال إن «نشر الحاملات قرب الشاطئ يجعلها بمنزلة بطٍّ ساكن في مرمى النيران الحوثية».
كما دمج «أنصار الله» بين أنماط الهجمات، واستخدموا صواريخ باليستية و«كروز»، إلى جانب الطائرات المفخخة، في توقيتات متغيرة.
إرهاق في الميدان وتحولات في الجغرافيا العسكرية
المعارك التي خاضها الأسطول الأميركي منذ نهاية عام 2023 حتى منتصف 2025، والتي شاركت فيها نحو 30 سفينة (أي 10% من الأسطول الأميركي العامل)، ترافقت مع «إرهاق متزايد» بين صفوف الجنود، وتحديات لوجستية صعبة، أنهكت الطواقم البحرية التي بقيت في أقصى حالات الجهوزية على مدار الساعة، خصوصاً على متن حاملة «دوايت أيزنهاور» التي لم تتوقف إلا لمرة واحدة خلال سبعة أشهر من القتال.
سفينة الشحن «روبيمار» قبالة سواحل اليمن بعد تعرضها لقصف في أذار 2024 (من الويب)
سفينة الشحن «روبيمار» قبالة سواحل اليمن بعد تعرضها لقصف في أذار 2024 (من الويب)
وترافقت هذه الضغوط مع خسائر بشرية ومادية، أبرزها «مقتل عنصرين من قوات النخبة الأميركية أثناء عملية تفتيش لسفينة محمّلة بقطع صواريخ إيرانية»، وغرق سفينة شحن بريطانية وأخرى تابعة لباربادوس «إثر إصابتهما بصواريخ حوثية»، فضلاً عن «إسقاط الحوثيين لأكثر من 12 طائرة (ريبر) أميركية، تبلغ قيمة الواحدة منها نحو 30 مليون دولار».
«البحرية الأميركية عملت طوال العام الماضي في ظروف قتالية مكثفة ومستمرة في البحر الأحمر، في أخطر منطقة صراع بحري منذ جيل». هذا ما صرّح به رئيس اللجنة الفرعية للدفاع في مجلس النواب الأميركي، كين كالفرت، في جلسة استماع في 14 أيار الفائت، مضيفاً أنّ هذا الواقع «أرهق السفن والطاقم، ومدّد الانتشارات، وقلّص الجاهزية لمهمات أخرى».
فشل أميركي في الرد السريع
وفي ظل تردد إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في التصعيد، «تأخرت الضربات الأميركية، ما أتاح للمسلحين إعادة نشر منصاتهم أو إخفائها»، وجعل الاستخبارات الميدانية «غير مجدية» في معظم الأحيان، بحسب مسؤولين في القيادة المركزية الأميركية.
لكن مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، مُنح قائد القيادة المركزية «سنتكوم» الجنرال إريك كوريلا صلاحيات أوسع للموافقة على الضربات، ما سرّع وتيرة الرد الأميركي. وأطلقت واشنطن في آذار الماضي عملية حملت اسم «رافر رايدر»، وشاركت فيها حاملة طائرات ثانية، وعدد من القاذفات «B-2»، ومقاتلات «F-35»، ومدمرات مزوّدة بصواريخ موجهة.
ورغم تدمير البنية التحتية لبعض «مخازن السلاح والوقود، ومقتل مئات المقاتلين الحوثيين، بمن في ذلك قادة ميدانيون»، لم تنجح واشنطن في «كسر شوكة الجماعة» أو منعها من مواصلة استهداف السفن.
هدنة «بلا نصر»
وخلُص تقرير «وول ستريت جورنال» إلى أن الرئيس ترامب وافق على هدنة مع حركة «أنصار الله» اليمنية، تقوم على شرطين أساسيين: «أن يتوقف الحوثيون عن استهداف السفن الأميركية، مقابل توقف القصف الأميركي عليهم». وأثناء عبور حاملة الطائرات «ترومان» قناة السويس وخروجها من البحر المتوسط، «كان الحوثيون لا يزالون يطلقون صواريخ باليستية على إسرائيل».
وفيما يرى «البنتاغون» أن الصراع في البحر الأحمر شكّل تمريناً على حرب أكبر مع الصين، خلُصت الصحيفة الأميركية إلى أن «أنصار الله» ما زالوا «يتطورون»، وأن البحرية الأميركية لم تخسر حتى الآن سفناً، لكنها «لا تعرف إلى متى ستستمر في صدّ هذه الهجمات».